

التوصيل مجاني (داخل المغرب) لجميع الطلبيات ابتداء من 800 درهم.
متوفر للعملاء الدوليين.الدين الشمولي جذور وأشكال التشدد التطهري ما هي العلاقة التي تنشأ بين دين التوحيد وبين العنف، وهـل هـذه العلاقة حصرية أم أن هناك أديانا سابقة على التوحيد الموسوي كان بها أيضا أشكال من العنف. ترتكـز لغـة العنـف التـي قـد تبدو ظاهريـا فـي الكتـب المقدسـة فـي شـرعيتها وصحتهـا علـى الوحـي والعقيـدة وعلـى حصريـة مصطلح الحقيقـة، وهـي ظـاهـرة يجـب أن تفهم أولا بعيدا عـن كل الجـدال والتبريـر وعلـوم الدفـاع عـن الديـن، وهـذا مطلـوب اليـوم بشـدة حيث إن عالــم الـيـوم مـحـاط بـكـم هـائـل وغير مسبوق مـن العنـف الـذي يستند في مرجعيتـه إلـى اللـه وإلـى الكتـب المقدسـة، ونحن لا نملك ترف أن نغض الطرف عـن السـؤال إن كانت هناك صلة بيـن احتكار التوحيـد الحصـري لمصطلح الحقيقـة وبيـن لغـة العنـف وكيف يمكننا تحليـل وعلاج هـذه الصلـة. في النهاية، لا يتركنـا يـان أسـمان، عـالم المصريات الشهير حيـازي مـع سـؤاله الكبير، بل يقدم لنا رؤية عملية وإشراقية في نفس الوقت لمخرج من دائرة العنف هذه. تعامل يان أسمان في كتابين سابقين له أثارا ضجة كبيرة ساعة ظهورهما مع فكرة جذور العنف الإقصائي المستند إلى الدين، حيث ذهب إلى أن أصل هذا النوع من العنف يرجع إلى طبيعة أديان التوحيد نفسها، فدين التوحيد في جوهره يقوم على مبدأ احتكار الحقيقة، إذ طالما هو دين توحيد، فهو دين يرفض بداهة مبدأ التعددية، وبالتالي فلا وجود لآخر، لأن إقراري بوجود آخر، يهدد وجودي ذاته. ثارت الدنيا آنذاك خاصة في الأوساط اليهودية بألمانيا، لأنه تعامل واستشهد بالكتاب المقدس طوال الكتاب، ولا عجب أن كان عنوان الجزء الأول هو: موسى المصري، وكان عنوان الكتاب الثاني هو “التفرقة الموسوية أو ثمن التوحيد”. حسنا، ما الجديد الذي يقدمه أسمان هنا؟ الحقيقة هي أن ما يطرحه أسمان هو جديد تماما، هل هو تراجع منه عما طرحه في كتبه السابقة، أم هو التطور الطبيعي في نمو الأفكار؟ هل هي “ردة” من عالم كبير تعرض لضغط من قبل الأوساط المسيطرة إعلاميًا في بلد مثل ألمانيا، أم أن هذا هو “فتح” أو إشراقة جديدة؟ أسمان هنا يذهب بعيدًا، أبعد حتى من العهد القديم، يذهب إلى مصر القديمة وبابل وأشور ويفتح كتب الأساطير ويقرأ البرديات والنقوش من على جدران المعابد، معابد الديانات التعددية وليست الموحدة، ويفاجئنا أسمان بكم كبير جدًا من النصوص التي تحض تابعيها على الحرق، والتقتيل، والإبادة للآخر، وللآخرين. إذن لم تبدأ هذه النصوص في الوجود بداية من التوراة كما ذهب سابقًا في موسى المصري وثمن التوحيد. كانت هذه خطوته الأولى في الكتاب، ثم سار بعدها إلى فكرة “التأويل” فتناول النصوص المصرية والاشورية ثم “الكتابية” مبينًا إمكانات تأويل النصوص بحيث نخرج منه بأقصى مدى ممكن للتعايش المشترك بين المختلفين، ومبينًا كيف يصبح هذا ممكنًا. يفرق أسمان في استعراضه هذا بين أنواع مختلفة من التوحيد، وبالأدق بين “تجليات” التوحيد، فالتوحيد في النهاية هو واحد، ولكن كيف تتعاطى معه، كيف تفهمه، كان هذا هو سؤاله المحوري في الكتاب. وبعد استعراضه للعديد من الأنواع الممكنة، نجده يتوقف عند التوحيد الإقصائي والتوحيد الشمولي، بل إنه في جزئية من الكتاب وجدناه يفرق بين توحيد “الألوهية” وتوحيد “الربوبية” كما لو أنه عالم أصول دين إسلامية متمكن. يطرح بعدها أسمان سؤاله عن مدى صدق رغبتنا في التعايش المشترك من عدمها، وطالما أن ذلك كذلك فما هو الحل؟ يفاجئنا أسمان عالم المصريات الكبير بحل غير “علمي” على الإطلاق، وإنما هو حل إشراقي صوفي ناسك، يدعو فيه إلى تعايش مشترك غير قائم على تقبل الأمر الواقع وإنما على رحابة تعددية الطرق المؤدية إلى مقصد واحد وأن هذا هو المهم. الكتاب يستشهد بكم كبير من العهد القديم ويضعه في سياقه بحرفية وتمكن شديدين حتى لتظن أنك تقرأ لعالم لاهوت وليس لعالم مصريات، وكانت مبادرة ممتازة من المترجم أنه لم يستعن بالترجمة الشائعة للإنجيل والمعروفة باسم فان دايك وإنما لجأ إلى ترجمة الكتاب المقدس الدراسية وهي ترجمة ممتازة والمفيد فيها أنها تترجم الأفكار بعربية سليمة وواضحة دون التقيد بالحرفية الواضحة في ترجمة فان دايك وبالتالي أتت المعاني واضحة غاية الوضوح، لأنه بهذا سيفهم القارئ العربي المسلم -بعيد الصلة عن قراءة الانجيل – ما يعنيه المؤلف تماما. يأتي الكتاب بترجمة تليق بجودته وقيمته الفكرية للمترجم المتميز “كرم النويشي”.
البيانات
مراجع محددة
لم يقم أي عميل بتقييم هذا المنتج بعد.