كل الشكر والتقدير للصديق العزيز، الأستاذ عبدالهادي المهادي، على تكرمه بإهدائي نسخة من هذا الكتاب، مرفقة بكلمات تعبق بروح المحبة والإخاء. أشدّ على يديك بحرارة شاكراً لك جهدك المقدر في إعداد هذا العمل، وأسأل الله أن يبارك في علمك، وأن يلقى هذا الكتاب القبول والانتشار بين عموم القراء إن شاء الله.
بداية لا أخفي نفوري الشديد من الخوض في أمثال هذه الكتب التي تتحدث عن الكرامات والخوارق في عالم البشر بعد الأنبياء. فأجدني لا أنسجم أبدا - بما تَكَوَّنَ عندي من أفكار ومعتقدات - مع عوالم التصوف المشبعة بالخرافة والبعد عن الدين الحق.
فعندما يحاول (أصحاب الكرامات) إعطاء تفسيرات للحاضر أو للمستقبل يقع الالتباس ويسود الغموض والاضطراب في عقول الناس وعقيدتهم . وأنا هنا أفرق بين استشراف المستقبل من خلال نصوص الوحي أو من خلال أحداث التاريخ، وبين إعطاء تنبؤات غيبية عارية عن ذلك .. هنا تقع المشكلة بالنسبة لي. وأنا هنا أتفق تماماً حول ما ذكره صديقي عبدالهادي عن الشيخ أحمد ياسين رحمه الله في حديثه الاستشرافي عن مستقبل فلسطين في برنامج « شاهد على العصر » الذي بثته قناة الجزيرة سابقا. فإذا كانت تقديراته لمآلات الأمور في فلسطين من الكرامات، فهذه نعم الكرامة، ونعم الولاية.
لقد لامست في كتاب الصديق عبدالهادي ندية عقدية مع من ينكر الكرامات والخوارق جملة وتفصيلا، لكن النصوص التي أوردها في كتابه تجعلنا نطرح سؤالين مشروعين، أولهما: ما هو الحد الفاصل بين الحق والباطل في الموضوع؟ وثانيهما: ما هي المعايير الشرعية التي بها نضبط كل ما يتداول في عالم الخوارق والكرامات ؟!
إنني من خلال استقراء النصوص التي أوردها في كتابه ألح علي سؤال بخصوص إمكانية وجود الخرافة في الكثير مما ادعى أنها كرامات، من مثل تقديم وصف مفصل ودقيق لزوجة أحدهم من أعلى الرأس إلى أسفل القدم مع أن الواصف صاحب هذه الكرامة لم يسبق له أن رآها من قبل.
يقول الكاتب : " لا أنكر الكرامات جملة " وهذا يعني أنه لا يؤمن بها جملة، ولا يرفضها جملة، بل إنه يخبرنا أن له معيارين نقديين يجعلهما أساساً لقبول ما يؤمن به ورفض ما ينكره، أفصح عن المعيار الأول، لكنه أحجم عن ذكر المعيار الثاني إلى أن يحين وقته كما قال. أما المعيار الأول الذي أفصح عنه فذكر أنه يقوم على الذوق والدربة. وقد حاولت أن أعثر في كلامه على إشارات توضح مقصوده من (الذوق والدربة)، فوجدت أنه يقر إقرارا مبدئيا أن الإنسان - بالإضافة إلى البعد المادي - له بعدٌ آخر يرتبط جزء منه بعالم الخوارق والكرامات، وهو البعد الروحاني الذي أكد أنه يستحيل ضبطه بالمنطق العقلي، بمعنى أنه يفسر بالذوق والدربة.
على أي، يبقى موضوع الكرامات والخوارق مثار جدل كبير ونقاش لا ينتهي بين مؤمن بها لا يفرق بين غثها وسمينها، وبين منكر لها جملة وتفصيلا، وبين من اتخذ نهجاً وسطياً في
التعاطي معها، كما هو الحال بالنسبة لصديقنا عبدالهادي.