تأخذنا أستاذة الفلسفة والتصوف نظلة أحمد الجبوري في كتابها سلاطين المتصوفة في العشق والمعرفة في رحلةٍ تأمّلية معرفية وروحية متعمقة في التجارب الصوفية لأعلام كُثر، وصفتهم بأنهم "سلاطين" لعراقتها ومقامها، منهم الشيخ أبي يزيد البسطامي، ومحيي الدين ابن عربي، وعمر بن الفارض، حيث اختارت لتميزهم لقب سلطان: سلطان العارفين، وسلطان العاشقين تكشف الجبوري عن البنية المفاهيمية لهذه الشخصيات عبر مسارات روحية وشعرية متنوعة. فتفتّش في حال الوجد، والوله، والمناجاة، والسّرّ، وتربطها بأسس فلسفية عميقة، مجسّدةً سعي الصوفي إلى ذروة المعرفة الإلهية أو ذروة العشق الروحي . ترى أن ابن العربي بارع في بلورة هذه المصطلحات أول من صنفها وأعطاها ثقلًا فلسفيًا، فتجلّت في كتاباته كأسماء اصطلاحية ذات أبعاد معرفية وفلسفية . يبدأ الكتاب بمقدمة فلسفية صوفية تستند إلى بحث دقيق يجمع بين النص التراثي والقراءة المعاصرة، ليضع هذه "السلاطين" في إطار يوازن بين الفكر الفلسفي والتجربة الذاتية الحية ، منتقلاً بسلاسة بين السير الذاتية، والنصوص الشعرية، والانتحال اللغوي والمصطلحي، حتى يوثق للمقامات الفردية والجماعية في التصوف الإسلامي. في تحليلٍ عميق يستعرض الجبوري النصوص النثرية البسطامية، والأنشودات الشعرية للفارضي، والحِكَم والنصوص الفلسفية لابن العربي، فتتمازج معه البنية الفكرية والسلوكية لهؤلاء وفق تتبع المنهج الصوفي الذي ينسج بين الفكر والعشق، بين المعرفة والعطاء الروحي . وقد برزت أهميته عند إبراز الكيفية التي صاغوا بها هذه التجارب الرمزية، وتحويل مصطلحات مثل: الطوالع، الفناء، الإثبات، التجلي، النور، والوجود، إلى أدوات فكرية تُمكّن من قراءة التجربة الروحية من منظار فلسفي ومتصوف معًا بالإضافة إلى ذلك، يوثق الكتاب تداخل مصطلحاتهم مع السلوك والقيم الصوفية، ويكشف عن علاقة المصطلح بالمقام الروحي، فقد جعل لكل لقب روحًا ودلالة؛ فسلطان العارفين متصل بمعرفة الله، وسلطان العاشقين بمنزلة الحب. كل ذلك يكتمل بوفرة الهوامش والمصادر الأكاديمية من مصطلحات الصوفية، والاعتماد على تراجم الباحثة لنصوص التراث الصوفي ، مما يجعل الكتاب مرجعًا يجمع بين التعبير الأكاديمي الدقيق، والحضور الروحي الحي، ويضعه في مصاف الدراسات المعاصرة المهمة في الفكر الصوفي.