


Free shipping (Inside Morocco) starting from 800 DH.
Available for international customers.كثيرون غَيّبهم النسيان والتجهيل رغم قيمتهم فى الحياة الثقافية والأدبية، وأبكار السقّاف واحدة من هؤلاء، تلك اليمنية «الهجينة»، التى كانت مصر محطّة مهمّة فى تاريخ نشأتها وتكوينها. تُحسب «أبكار» (1913-1989) على المثقّفين والكُتّاب الباحثين فى تاريخ وفلسفة الأديان، وكاد الحظ يُنبئ لها بقدرٍ وافرٍ من التحقّق والشهرة لولا أن اسمها وإنتاجها الذى قارب العشرة مؤلّفات، اندثر تحت وابل الخُرافات والدعاوى الظلامية والتكفيرية، إلى حد إعدام كُتبها. لكن دار آفاق فى مصر أعادت لهذا الاسم رونقه ووجوده اللائق على الساحة الثقافية، فى خمسة كُتب من مؤلّفاتها أعادت الدار طباعتها تباعًًا، بعدما تواصلت مع ورثة الكاتبة، ممثلة فى ابن أختها ضياء السقاف لتكون هذه الكُتب - وغيرها موجودة فى خطّة النشر لدى الدار - فُرصة ذهبية لإشباع ذلك النهم عند كل مُتخصّص فى الحقل الذى بذلت فيه أبكار عُمرها، وتميّزت فيه بأسلوب فريد. تتمحور كتابات السقّاف، التى انتقلت عائلتها فى وقت مبكّر من طفولتها وأقامت فى الإسكندرية، وفى شبابها تعرّفت إلى العقاد ولازمته، حول مُقارنة الأديان والتوراة وتاريخ مصر القديمة والعراق والصين، وتأثّرها بعباس محمود العقّاد جاء من حضورها الندوة الثقافية فى صالون العقاد والذى تعرّف عليها فى مكتبة الأنجلو المصرية بالصدفة ولبّى دعوتها فزارها فى منزلها ثم توطّدت علاقته بها.
من جرأة «السقاف» فى تناول موضوعاتها، رفض معظم الناشرين نشر كتاباتها، إلى أن وافقت مكتبة الأنجلو المصرية على نشر الجزءين الأول والثانى من كتابها «نحو آفاق أوسع» إلا أن الرقابة ما لبثت أن صادرته. لم تنج أبكار السقّاف، بالطبع، من سيف التكفيريين الذين اتهموها بالكفر ولايزال هناك من يهاجمها حتى بعد وفاتها بـ30 عامًا. فى كتابها الذى أعادت «آفاق» طبعه حديثا، «الحلّاج أو صوت الضمير»، ويُحسب للقائمين على النشر فى الدار شجاعتهم فى ذلك، لا يبرز شغف الكاتبة بالحلّاج وحكايته، ولا بالصوفية وإنسانيّتها فحسب، لكن ثمّة أسلوب خاص برعت السقّاف وانفردت فيه وهى تُناقش الحجة بالحجة. لم تنل «السقّاف» من الشهرة ما نالته نظيرتها «مى زيادة»، رغم أنها تُعدّ إحدى تلميذات عباس محمود العقاد، ومع ذلك احتفظت بمهارة بلاغية فى الصياغة والخطاب، بحيث ربطت الأدب بالمنهج العلمى.
على هذا المنوال كان طبيعيّا أن تُقدّم تفسيرًا للتصوّف من وجهة نظر علمية، فربطت بينه وبين ماهيّة الذرّات! لكنها حرصت على تبسيط المعنى، فعرّفت التصوّف بأنه «فعل الانضمام إلى الله، كنتيجة حتمية لوصول النفس إليه كمنبع لوجودها الذاتى». ومن بين ما رأته أنّ علينا التجرّد فى نظرتنا إلى العالم المادى وإلى الطبيعة، فهناك «حقائق موجودة لا قدر لمدركاتنا الحسيّة على إدراكها». عند أبكار السقًاف، فإنّ من رأى الحلّاج كافرًا لأنه قال: «أنا الله والله أنا، نحن روحان حللنا بدنا»، لم يصل إلى ما وصل إليه، فتقول: «أدركت أن هذا الكون ليس إلا ظاهرة من عمل «فكر» هو وحده الحق، وأنا منه جزء، ومن ثمّ، لا شىء موجود إلا الله وأنا، وما وجودى إلا وجوده هو، فإذا قلت أنا فإننى لا أعنى بقولى إلا هو فحقًا: أنا هو.. وهو أنا». فى هذا الكتاب، ترى السقّاف فى قتل الحلّاج بهذه البشاعة «خطيئة لا تُغتفر»، ومع ذلك أوصله من أعدموه إلى «الأبدية». أثبتت السقّاف أن الحسين بن منصور (الحلّاج) مؤمن بنسبيّة الأديان، أى بصحّة جميع العقائد الدينية أيا كانت، وأن الله، وهو الهوية السارية فى جميع مراتب الوجود هو عين كل معبود. وأن الناس متفاوتون فى درجات الكمال، بتفاوت كمال الصورة الإلهية التى يصوّرون بها الله فى عقائدهم وعباداتهم، وإذا كان فى كل عقيدة وفى كل دين شىء من الحقيقة؛ فأكمل الأديان تلك التى أُرسل بها الرسل، وعلى رأسها الإسلام، وهنا يُعتبر الحلاج اتخذ مادته من القرآن ومدَدَه من المقاييس الفلسفية، فضم إليه العنصر البشرى. تتوقّف «السقاف» فى كتابها عن الحلّاج عند مقارنة مذهلة بين الحلاج ورابعة العدوية، فتسأل: لمّا كان المذهب الذى أُخذ على الحلاج وكان سببًا فى استشهاده، هو نفسه المذهب الذى اعتنقته «رابعة» وأثارت به فى التصوّف الإسلامى حركة فكرية عميقة، لماذا لم تُرم رابعة بالكُفر على عكس الحلاج؟! >
Data sheet
Specific References
No customer reviews for the moment.