

Livraison gratuite (au Maroc) à partir de 800 DH.
Disponible pour les clients internationaux.المحامي شوقي ساسين ممثلاً وزير الثقافة محمد وسام مرتضى، ألقى كلمة بعنوان "زياد سعادة الإنسان"، لفت فيها إلى أن "ما بين طَرفةِ حبرٍ وانتباهتِه، كان على يراعتي أن تغطَّ ريشتَها في ذكرى زياد سعادة، وتحركَ في قعر الدواةِ أخباراً عن فصولِه البارابسيكولوجية، علَّ مدادَها يسربُ في علم النفس وما وراءَه، والفلسفةِ وما بين يدَيْها، إلى أعماقٍ كان الراحلُ يسبرُ أغوارَها ويستخرجُ لآلئها ويقدمُها هدايا للفكرِ في تجلياتِه المشرقة. ولا أكتمُكم خشيةً استبدَّت بي، منذ الجملة الأولى، لأنني ما كنتُ يوماً بظانٍّ أن هذه المواضيعَ الشائكةَ معرفيّاً تُسلسُ معانيَها لمنبرٍ سريع الهنيهات، ما يوشك صاحبُه أن يعتليَه حتى يترجَّلَ عنه؛ ولا خيِّلَ لي مرة أنني قد أكون واحداً ممن يخطبُ في مثلها، لاقتناعي بأن الغوصَ في لجةِ “الترابط بين الواقع الخارجي والظواهر الباطنيةِ التي تكتنفُ الذات الفرديَّةَ في تذكُّرِها وانفعالِها وتفكيرِها”، يستدعي سباحةً ماهرةً لا يتقنُها إلا الراسخون في بحور النفس، وما أنا منهم، فكيف بي والكلامُ في زياد سعادة وفكره، يتجاوزُ الما وراء البعيد، إلى ما وراءَه الأبعد؟".
وتابع: "لكن التكليفَ يفرضُ أن أستجيب. فما عتَّمَ، حين أمسكتُ الكتابَ على عُجالةٍ، أن قفز إلى عينيَّ سؤالٌ عن موجبِ استعمال هذا المصطلحَ الفلسفي بعينِه “الما وراء”، في التعريفِ بعلمٍ يتناولُ قواعدَ الإدراك من خارج الحواسّ، أو بعبارةٍ هندسيةٍ، علمِ تخطيطِ الدرب الذي تسلكُه خُطى النفسِ في مسيرِها إلى الغدِ الساكن قدّامَها، فكيف يعرَّفُ إذن بالوراء والما وراء؟ ولقد زاد السؤالَ حضوراً في ذهني، أن التوغُّل العجِلَ في تصفُّحِ الكتاب بيَّنَ لي أن الراحل زياد سعادة، في بحوثه الفلسفية، كان يسعى فعلاً إلى أمام، ويحاول أن يرسي منهجاً علميّاً لتفسير الظواهر النفسية الخفيّة كالتخاطر والتنبؤ والخوارق وما إليها، وهي كما ترَون ظواهر تتطلعُ إلى المستقبل، ثمَّ إني تذكرتُ في هذا المعنى قول أبي العلاء: “ورائي أمامٌ والأمامُ وراءُ”، فأدركتُ أنَّ بحر علم النفسِ وما وراءها، لا يحتاج قبطانُه إلى بوصلةِ شِمالٍ ونجمةِ صبح، لأنَّ الجهاتِ تشتبكُ فيه وتضيعُ الخرائط والمراكبُ والشطوط".
وأضاف: "في كلِّ حال، هذا لم يشغل قطُّ لزياد سعادة قلماً ولا حلماً. فخرائط البارابسيكولوجيا عنده كفيلةٌ برسم تضاريس الكون كلِّه، انطلاقاً من لواعجِ النفسِ الخفيّةِ وصولاً إلى مدارجِ الغيبِ المجهول. حتى إنه في عشرينيّاته، وما قبلَها، استطاع أن يبلغ هذا المبلغَ من الشغف الفلسفي، ويحوزَ هذه الملَكَةَ الفكريةَ من القراءة والتحليل والكتابة، وهذه القدرةَ النفسيةَ على الحبِّ حتى انقطاعِ الأنفاس. ومن يتأمّلْ في تضاعيفِ سيرتِه القصيرةِ والبليغة، يجدْه وقد توزَّعَتْه تكاليفُ الفكرِ، تثقٌّفاً وتثقيفاً، وتعليماً وتأليفاً، وهوىً مستعراً، وسكنى قلوب، حتى صار هذا كله ضمادَ روحِه من آلامِ الجسد، ومرقاةَ نفسِه إلى ما أمامَها من بقاء".
Fiche technique
Références spécifiques
Aucun commentaire pour le moment.