يعتبر كتاب “تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة” صنفاً مُحْدَثاً من المباحث التاريخية، وأحد مظاهر سوسيولوجيا التاريخ في المكتبة العربية؛ ليس بفضل ما يثيره من إشكالات مصطلحية ومعرفية ومنهجية فحسب، وإنما بالنظر كذلك إلى السياق التاريخي الذي كتب فيه. وإذا كانت “السرية” في التاريخ تدخل ضمن “النواحي المظلمة” في تاريخ الإسلام؛ فإن “تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة” تعد من أدق هذه النواحي وأعمقها، لا سيما وقد حتمت “النهضة الفكرية الجديدة” التي كان يعيشها العالم العربي في مستهل القرن 20م البحث في مثل هذه القضايا اللامفكر فيها والمسكوت عنها، في ظل تقديس التيار التقليدي لـ”أوثان قبيلة المؤرخين”! يقتحم محمد عبد الله عنان، من خلال هذا الكتاب، “قضايا التاريخ الكبرى” للكشف عن خبابا “الجمعيات السرية” التي “آثرت الظلام على الضياء، وكانت تعمل لإحدى غايتين: الأولى روحية كمحاولة الوقوف على أسرار الكون الخفية واستقصاء أسرار الروح والحياة والموت، والاتصال بعالم الغيب. والثانية هدامة، سياسية يراد بها إبدال مجتمع بمجتمع أو سلطان بسلطان”! ومن ثم يتبلور مفهوم الجمعيات السرية والهدامة في الكتاب، مما يسهل معه تتبع مضامينه، التي تحقّق الإمتاع والمؤانسة بعيدا عن “التاريخ الناعم”.